تحقيق يكشف :كيف تعمّد الاحتلال القتل والتدمير في غزة.. وما دور الذكاء الاصطناعي؟

كشف تحقيق إسرائيلي (أُجري مؤخّراً) استند إلى محادثات مع 7 أعضاء حاليين وسابقين في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي – بما في ذلك أفراد المخابرات العسكرية والقوات الجوية الذين شاركوا فييما يسمى العمليات الإسرائيلية في القطاع – إضافة إلى شهادات وبيانات ومعلومات ووثائق فلسطينية من قطاع غزة، وتصريحات رسمية للمتحدّث باسم جيش الاحتلال  ومؤسسات الدولة الصهيونية الأخرى، أن الاحتلال قسّم الأهداف التي قصفتها طائراته في غزة إلى 4 فئات رئيسية، يمكن تلخيصها بالآتي:

الأولى: الأهداف التكتيكية
تشمل: الخلايا المسلحة، مستودعات الأسلحة، قاذفات الصواريخ بعيدة المدى وتلك المضادة للدبابات ومواقع إطلاقها، قذائف الهاون، المقار العسكرية، ومراكز المراقبة.

الثانية: الأهداف تحت الأرض
خصوصاً الأنفاق.

الثالثة: أهداف القوة
وهي الأهم.

الرابعة: منازل العائلات
وتشمل أيضاً بالخصوص منازل النشطاء.

وتبعاً لذلك، أولى جيش الاحتلال ، بداية الحرب، اهتماماً خاصاً بالفئتين الثالثة والرابعة. وخلال الأيام الخمسة الأولى من القتال، وعلى ذمة المتحدث باسم جيش الاحتلال في 11 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تمّ اعتبار نصف الأهداف التي تمّ قصفها – 1329 من إجمالي 2687 – من فئة أهداف القوة. إشارة إلى أن العدد ارتفع لاحقاً بشكل خيالي، وهو ما دلّت عليه المجازر طيلة الشهور الثلاثة الماضية.

ما هي أهداف القوة؟
حدّدت مصادر استخباراتية للاحتلال  “أهداف القوة” بأنها تشمل: المباني الشاهقة، والأبراج السكنية في قلب المدن، والمباني العامة مثل الجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية. أما الفكرة من وراء ضرب مثل هذه الأهداف ـــــ كما تقول ثلاثة مصادر استخباراتية ـــــ فتمثّلت بإلحاق الضرر بالمجتمع المدني الفلسطيني عبر “خلق صدمة”، كان الاحتلال يأمل أن يكون لها، من بين أمور أخرى، صدىً قويٌ وكبير، سيدفع بالمدنيين، بظنها، إلى ممارسة الضغط على حماس، وصولاً إلى الثورة عليها.

ليس هذا فحسب، أكد العديد من الضباط والقيادات العسكرية الإسرائيلية، (فضّلوا جميعهم عدم الكشف عن هويتهم)، أن جيش الاحتلال لديه ملفات حول الغالبية العظمى من الأهداف المحدّدة في غزة – بما في ذلك المنازل – وهي تشتمل على عدد المدنيين الذين من المحتمل أن يكونوا قتلوا في هجوم على هدف معيّن. والمثير، أن هذا الرقم محسوب، ومعروف مسبقاً لوحدات استخبارات “الجيش”، التي تعرف أيضاً قبل وقت قصير من تنفيذ الهجوم، العدد التقريبي للمدنيين الذين من المؤكد أنهم سيقتلون.

وعلى المنوال ذاته، أوضحت مصادر عسكرية شاركت في تجميع “أهداف القوة”، أنه على الرغم من أن ملف الهدف يحتوي عادة على نوع من الارتباط المزعوم بحماس أو غيرها من الجماعات المسلحة، فإن ضرب الهدف يعمل في المقام الأول كوسيلة تسمح بإلحاق الضرر بالمجتمع المدني.

ولهذه الغاية، وافقت القيادة العسكرية الإسرائيلية في إحدى الحالات على قتل مئات المدنيين الفلسطينيين في محاولة لاغتيال قائد عسكري كبير واحد من حماس.

بموازاة ذلك، كشف مصدر قيادي “إسرائيلي” آخر، قائلاً: “لا شيء يحدث بالصدفة”. وتابع “عندما تُقتل فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات في منزل في غزة، فذلك لأن أحد أفراد الجيش قرّر أن قتلها ليس بالأمر الكبير – وأن ذلك ثمن يستحق دفعه من أجل ضرب هدف [آخر]”. وأضاف “نحن لسنا حماس. هذه ليست صواريخ عشوائية. كل شيء متعمّد. نحن نعرف بالضبط حجم الأضرار الجانبية الموجودة في كل منزل”.

وتأكيداً  لنيّة الضرر الإسرائيلية، كشف تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية، أن “إسرائيل” قصفت في 9 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ثلاثة مبانٍ متعدّدة الطوابق على الأقل، فضلاً عن سوق مفتوح للسلع الرخيصة والمستعملة في شارع مزدحم في مخيم جباليا للاجئين، مما أسفر عن استشهاد  69 شخصاً على الأقل.

أكثر من ذلك، كذبّت المنظمة، ادّعاء جيش الاحتلال، بأن “الهجوم على منطقة السوق كان يستهدف مسجداً حيث كان هناك نشطاء من حماس”، مشيرة إلى أن صور الأقمار الصناعية لا تظهر وجود مسجد في المنطقة المجاورة.

ما تجدر معرفته، أن سياسة إحداث دمار شامل في المناطق المدنية لأغراض استراتيجية، قد جرى تطبيقها في العمليات العسكرية السابقة والحالية في غزة، استناداً إلى ما يسمّى “عقيدة الضاحية” التي ظهرت أثناء حرب لبنان الثانية عام 2006.

دور الذكاء الاصطناعي في حرب غزة
في العام 2019، أنشأ جيش الاحتلال مركزاً جديداً يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع عملية توليد الأهداف، وهو يضم مئات الضباط والجنود. وتعقيباً على ذلك، قال رئيس أركان جيش الاحتلال السابق أفيف كوخافي في مقابلة متعمّقة مع موقع Ynet، “في الماضي كانت هناك أوقات نعمل فيها على إنشاء 50 هدفاً سنوياً بغزة. وهنا أنتجت الآلة 100 هدف في يوم واحد”.

وانطلاقاً من هذه النقطة، وبخلاف الجولات السابقة للحروب على غزة، اعتمد جيش الاحتلال بشكل متزايد وغير معهود، على الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل “الحبسورة”.

يعالج “نظام الحبسورة” كميات هائلة من البيانات التي لم يتمكّن عشرات الآلاف من ضباط المخابرات من معالجتها في الماضي. وبحسب التحقيق، كان هذه الاستخدام سبباً آخر للعدد الكبير من الأهداف (التي لم تنفُد حتى الآن)، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالحياة المدنية في غزة، نظراً لامتلاكه القدرة على توليد أهداف بشكل تلقائي تقريباً، بمعدل يتجاوز بكثير ما كان ممكناً في السابق. وهذا بدوره دفع، ضابط مخابرات إسرائيلياً سابقاً، للقول: إن نظام الذكاء الاصطناعي هذا، يسهّل بالدرجة الأولى إنشاء “مصنع اغتيالات جماعية حيث يتم التركيز على الكمية وليس على الجودة”.

وفي السياق ذاته، أقرّ ضابط كبير في المخابرات الإسرائيلية، بأنه أفصح لضباطه بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر أن المعايير المتعلّقة بإيذاء المدنيين الفلسطينيين “تلاشت بشكل كبير”. وأضاف “على هذا النحو، هناك حالات نقوم فيها بناءً على وجود هاتف [خلوي] بقصف واسع لمكان الهدف، مما يؤدي إلى مقتل المدنيين”. وتابع الضابط غالباً ما يتم ذلك لتوفير الوقت، بدلاً من القيام بمزيد من العمل للحصول على تحديد أكثر دقة”.

في المحصّلة، فيما يستمر الاحتلال  بمذابحه ومجازره وجرائمه اليومية ضد الإنسانية، تتوجّه أنظار العالم كلّه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي حدّدت الخميس المقبل الـ 11 من الجاري، لعقد الجلسة الأولى للنظر بطلب جنوب أفريقيا محاكمة “إسرائيل” بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ولوقف الحرب. فهل ستنتصر العدالة الإنسانية حتى ولو لمرة واحدة، وتُحدث بالتالي خرقاً في جدار التواطئ والسكوت والحماية الغربية للكيان الذي ما زال كبار المسؤولين في “جيشه”، يبحثون كيفية تزويد الجمهور الإسرائيلي المحبط، بصورة [النصر] المفقود، على حساب الفتك بالأرواح البريئة في غزة.

المصدر:الميادين

#أخبار_البلد

زر الذهاب إلى الأعلى