شبكة المنظمات الأهلية تطالب الحكومة الفلسطينية بإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة
سلّمت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد مصطفى، رسالة طالبت فيها الحكومة بإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة تعاني من المجاعة والكوارث البيئية والأمراض، مع دخول حرب الإبادة في قطاع غزة شهرها الثامن.
واستعرضت الشبكة في رسالتها، ما يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة من تجويع ونقص الغذاء الشديد، وانتشار سوء التغذية خصوصا بين الأطفال، بجانب ارتفاع معدلات الوفيات بسبب الأمراض الناتجة عن الجوع وسوء التغذية وصعوبة الوصول للعناية الطبية والصحية، والتلوث البيئي الحاد الناتج عن تدمير شبكات الصرف الصحي، وعدم قدرة البلديات على إزالة النفايات، ووجود آلاف الجثث تحت الركام والأنقاض، بالإضافة الى ضعف حاد في الاستجابة الإنسانية وتقديم المساعدات اللازمة للمحتاجين.
وقالت الشبكة إنه وبرغم قلة المعلومات والبيانات والتحليلات الموضوعية المتوفرة عن حالة المجاعة في قطاع غزة، إلّا أن المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة المتابعة للأمن الغذائي تستخدم مجموعة من المعايير لتحديد ما إذا كانت المجاعة قد وقعت أو ما إذا كانت قد تهدد بالحدوث، وبالتالي توجيه الاستجابة الإنسانية. كما أن إعلان المجاعة يتطلب تحقق تلك المعايير بشكل واضح ما يؤدي إلى مستويات عالية من الاستجابة، والتحذير الرسمي للمجتمع الدولي بوجود أزمة غذائية حادة تهدد حياة السكان في قطاع غزة، وما يتطلبه ذلك من تخصيص الموارد والمساعدات اللازمة للحد من تأثيرات المجاعة وإنقاذ الأرواح، وتحفيز التضامن الدولي، والضغط من أجل تحميل الاحتلال المسؤولية والمساءلة عن مسؤوليته المباشرة في خلق ظروف المجاعة ومنع السكان من الوصول الى الغذاء الآمن.
وأكدت الرسالة أنّ استمرار تدمير البنية التحتية ونقص الوقود، أدى إلى توقف خدمات الصرف الصحي والتخلص من النفايات بشكل كبير، ما أدى لتكدّس النفايات ومياه الصرف الصحي دون توفر إمكانية التخلص منها، وبهذا ومع ارتفاع درجات الحرارة فإن انتشار الأمراض والأوبئة أصبح حقيقة وسط الفلسطينيين في القطاع. ويضاف لذلك غياب قدرة الدفاع المدني في قطاع غزة على إزالة الركام وانتشال الجثث، وذلك نتيجة استهدافه المستمر وضعف الإمكانيات المادية لديه من نقص بالمعدات والكوادر.
واستعرضت الرسالة المسؤولية القانونية عن التسبب بالمجاعة وتدمير مقومات الحياة، وفقا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، إذ يُحظر التسبب بالمجاعة كممارسة عسكرية ضد السكان المدنيين بموجب اتفاقيات جنيف، فتؤكد المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة للعام ١٩٧٧، على حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، إذ تنص المادة “يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها المحاصيل والماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية، مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أو لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر”.
وتطرّقت الرسالة إلى المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية جنيف الرابعة١٩٧٧، حول حماية الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، وتنص المادة: “يُحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ومن ثم يُحظر، توصلا لذلك، مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الري”.
كما بينت المادة “٦” من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن أي من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، اهلاكا كليا أو جزئيا، توصف على أنها إبادة جماعية.
وأشارت الرسالة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنص المادة “١١” منه على “حق الإنسان في الحصول على الغذاء الكافي والملائم للحياة”، وتلزم المادة الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان حق الإنسان في الغذاء. كما أن الفعل القائم بالممارسة من جهة الاحتلال يخالف التدابير المؤقتة التي أقرتها محكمة العدل الدولية، ما يدفع بإمكانية مقاضاة المسؤولين عن الأمر بمنع أو تأخير ايصال المساعدات أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وأكدت الرسالة إن المسؤولية الجنائية عن التسبب بالمجاعة وتدمير مقومات الحياة تتعلق بتطبيق القوانين الدولية الخاصة بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وحيث أن الأفعال والسياسات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على السكان في قطاع غزة يضعها في موضع تحمل المسؤولية الجنائية، بسبب مسؤوليتها عن خلق ظروف مثل الهجمات المباشرة على المنشآت الحيوية، أو فرض الحصار على السكان لمنع وصول المساعدات الإنسانية، ما يستدعي التحقيق والمحاكمة أمام المحاكم الدولية مثال محكمة الجنايات الدولية، بسبب الأفعال التي تسببت في المجاعة وانتشار التلوث البيئي وتفشي الأمراض، ومحاسبة المسؤولين عنها.
وجاء في الرسالة إنه إن كان موضوع التلوث البيئي وانتشار الأمراض ليس خاضعًا لأي جدل، فإن موضوع المجاعة اكتسب أهمية سياسية أيضًا، كون المجاعة في حالة قطاع غزة ليست ناتجة عن كارثة طبيعية، بل يمكن عكس آثارها بالسماح لإدخال المساعدات، وعليه طرحت الرسالة التساؤل التالي: “هل يعاني المواطنون في غزة من المجاعة؟”، وكانت الإجابة وفقًا للرسالة أن لجنة “استعراض المجاعة” استنتجت في تقريرها في مارس/آذار 2024، أن المجاعة محتملة ما لم يتم وقف فوري للأعمال العدائية، ومنح السكان الحق بالوصول الكامل للغذاء والماء والأدوية، وحماية المدنيين، بالإضافة إلى استعادة توفير الخدمات الصحية والمياه النظيفة والصرف الصحي، والطاقة والكهرباء للسكان.
وبيّنت الرسالة أنه منذ مارس/آذار استمرت الأعمال العدائية ضد السكان المدنيين، وعلى الرغم من وصول بعض المساعدات الاغاثية إلى المحافظات الشمالية، إلا أنها لا تزال غير كافية للتعامل مع الجوع المستمر، فإن متوسط عدد الشاحنات اليومية التي دخلت قطاع غزة بعد إصدار التقرير وصل إلى ما يقارب (179 شاحنة( ، وهو أعلى قليلاً من المتوسط في مارس (161 شاحنة) قبل إصدار التقرير. هذا القدر من المساعدة لا يكفي لعكس تأثيرات الجوع وسوء التغذية. بالإضافة إلى ذلك، وفي تلك الفترة مارس/آذار ٢٠٢٤، تمت مهاجمة خدمات الصحة في غزة ومحافظة غزة الشمالية بشكل قوي وتزامن ذلك مع الهجوم وتدمير مجمع مستشفى الشفاء.
واستندت الرسالة إلى التصنيف المتكامل للأمن الغذائي(IPC)،الذي تم تطويره في عام 2004م لتصنيف خصائص أزمة الغذاء والتغذية في الصومال، ويتم استخدام هذا التصنيف في جميع أنحاء العالم لتقييم الأزمات، وكما هو محدد في IPC تصنف المجاعة وفق ثلاث معايير :
1) يواجه 20٪ من الأسر نقصًا شديدًا في الطعام
2) 30٪ من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحادة
3) وفاة 2 بالغين أو 4 أطفال من كل 10،000 يوميًا لأسباب ليست متعلقة بالهجمات بشكل مباشر (الأمراض أو الجوع).
وذكر أن لجنة “استعراض المجاعة” استنتجت أنه تم تحقيق اثنين من الثلاث معايير لإعلان المجاعة، مضيفًا أن القاعدة الثالثة، “إمكانية تجاوز عتبات معدل وفيات الأطفال الأقل من خمس سنوات (4/10،000 / يوم للأطفال) أعلى، ولكن من غير الممكن تحديده”. ويرجع ذلك بحسب الرسالة، إلى حد كبير في الاستهداف المنظم للنظام الصحي مما جعل من المستحيل تحديد عدد الفلسطينيين الذين قتلوا نتيجة لأسباب غير الهجمات العسكرية المباشرة، خاصة مع ورود تقارير تفيد بأن العائلات في شمال وادي غزة يقومون بدفن أحبائهم في الحدائق والشوارع والأراضي الفارغة. ومع ذلك، تؤكد الشهادات أن الأطفال يموتون بسبب سوء التغذية، وبالتالي تسبب الهجوم على النظام الصحي بعدم قدرة وزارة الصحة على الإبلاغ وتوثيق الوفيات التي لم تكن ناتجة عن الهجمات المباشرة.
وطرحت الرسالة تساؤلا آخر ؛ على من تقع مسؤولية إعلان المجاعة وإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة؟ واستند بذلك إلى IPC الذي “لا يعلن المجاعة أو يصدر إعلانات عن المجاعة “، بل يسهل التحليل الذي يسمح للحكومات والمنظمات الدولية/ الإقليمية والوكالات الإنسانية بإصدار بيانات أو إعلانات أكثر وضوحاً. بالتالي، يصبح من الواضح وفقا لرسالة الشبكة، أن التأخير في إعلان المجاعة في غزة لا يعني عدم حدوث المجاعة الآن، خاصة مع وجود الكثير من الأدلة لدعم ذلك، فقد أعلن ” IPCأنه من المتوقع أن تظهر المجاعة في أي وقت وحتى مايو 2024، كما أن سكان قطاع غزة (2.23 مليون شخص) يعانون من مستويات عالية من عدم الأمن الغذائي الحاد، أي هذا التصنيف في المرحلة 3 أو أعلى من IPC أزمة أو أسوأ). ونصف السكان في المرحلة IPC 5أي مرحلة الكارثة)
ولفتت الرسالة إلى أنه في وقت إعلان المجاعة في الصومال في عام 2011، تم تصنيف حوالي 490،000 شخص ضمن المرحلة IPC 5، بينما تم تصنيف 80،000 شخص في IPC 5 عندما تم الإعلان عن المجاعة في جنوب السودان.
وأشارت الرسالة إلى أنه في قطاع غزة اليوم، هناك 1.1 مليون شخص ضمن المرحلة IPC 5، وهو أعلى عدد مسجل من أي وقت مضى بواسطة IPC. وفي 29 مارس 2024، أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لرويترز إن المجاعة “ربما تكون موجودة في مناطق معينة على الأقل “من شمال غزة. وفي 4 أبريل 2024، لفت وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى أن السكان بأكملهم في غزة يتعرضون لمستويات حادة من عدم الأمان الغذائي. وفي 5 أبريل 2024، أعلن مدير التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن “غزة تتوقف على حافة المجاعة، إذا لم تكن قد وقعت فيها بالفعل”. وفي 8 أبريل، وصف قادة الأردن وفرنسا ومصر “المعاناة الإنسانية الكارثية” وأكدوا أن “المجاعة تحدث بالفعل” في غزة، بحسب الرسالة .
وأفادت الرسالة أنه في 10 أبريل 2024، كانت سامانثا باور، مديرة USAID، أول مسؤول أمريكي كبير يقر بوجود مجاعة في غزة، وحين تعرضت لسؤال خلال جلسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب حول إذا ما كانت تحدث مجاعة بالفعل في قطاع غزة، أجابت باور “نعم”، ومع ذلك لا تمثل تصريحات المديرة باور إعلانًا رسميًا عن المجاعة. وأضيف إلى ذلك تصريح المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي، للواشنطن بوست، قبل مقابلة تعرض الأحد على قناة ان بي سي، إذ قالت: “شمال غزة وصل مستوى المجاعة بطريقة كبيرة، وإن المجاعة تمشي بطريقة متسارعة نحو جنوب القطاع” .
وشددت الرسالة على أن إعلان غزة منطقة منكوبة بفعل المجاعة والتلوث البيئي وانتشار الأمراض؛ مسؤولية الحكومة الفلسطينية، ومن هنا لا داعٍ لأن تؤجل الحكومة هذا الإعلان وتوضيح مسبباته.
وخرجت الرسالة بتوصية جاء فيها: “من الناحية العملية تتحمل الحكومة الفلسطينية مسؤولية إعلان غزة منطقة منكوبة وتعاني من المجاعة والكوارث البيئية والأمراض، ويمكن أن يتم هذا الإعلان بالتنسيق مع الوكالات الأممية ذات الصلة، وينبغي أن يتولى هذه المسؤولية الحكومة الفلسطينية. ومع أن الحكومة الفلسطينية ليست مسؤولة سياسيًا عن وضع المجاعة والدمار الهائل في مقابل مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي، مع ذلك يصبح من الواضح أن الوكالات الأممية مترددة في إعلان المجاعة خشية من تعرضها للمزيد من الضغوط السياسية وممارسة التضييق ضدها، غير أن الحكومة الفلسطينية يمكنها أن تتبنى هذا الإعلان والعمل على تنسيق كافة الجهود العالمية والمحلية بالشراكة مع المجتمع المدني الفلسطيني، من أجل وضع خطة فورية للتعامل مع هذه الآثار ورفع مستويات الإغاثة الفورية للمواطنين في القطاع والدفع باتجاه المطالبة بمحاسبة ومساءلة الاحتلال عن التسبب بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.