“الفرصة الأخيرة”.. معضلة عودة مستوطني الشمال بين الإغراءات الماليّة والواقع المقلق

في ظل النقاشات المحتدمة بشأن عودة المستوطنين المهجرين من مستوطنات الشمال، لجأت حكومة الاحتلال إلى استراتيجية دعائية مكثفة، مستخدمة أسلوب “الفرصة الأخيرة” أو “تمديد المهلة لمرة واحدة”، بهدف تحفيز النازحين على العودة إلى منازلهم قبل انتهاء المهلة النهائية المحددة في 20 آذار/مارس الجاري.
تمديد المهلة: محاولة لتحفيز العودة أم اعتراف بالمأزق؟
أعلنت لجنة العمل والرفاه في “الكنيست” عن تمديد فترة الأهلية للحصول على منحة العودة الكاملة حتى 20 آذار/مارس، مانحةً مبلغ 15,360 شيكل (ما يعادل 4250 دولاراً أميركياً تقريباً) للبالغين، و7,680 شيكل (ما يعادل 2200 دولار تقريباً) لكل طفل. الخطوة بدت وكأنها محاولة أخيرة لدفع النازحين إلى مغادرة الفنادق والعودة إلى مستوطناتهم.
على الرغم من الحوافز المالية، ترافق التمديد مع الإعلان عن تقليص تدريجي للمنحة بعد 20 آذار، مما يعني أن أولئك الذين لا يعودون في الوقت المحدد سيتعرضون لخسارة مالية كبيرة. هذه الآلية، رغم محاولتها رسم صورة تشجيعية للعودة، وضعت المهجرين أمام ضغوط إضافية تزيد من قلقهم بدلاً من تهدئتهم.
الإغراء المالي مقابل المخاوف الأمنية والنفسية
الأسلوب الذي اعتمدته الحكومة في الترويج للعودة ركز بشكل كبير على المكافآت المالية، حيث تم نشر صور للأموال في المواقع الرسمية لإغراء النازحين. ولكن على أرض الواقع، هناك أسباب أعمق تدفع المستوطنين إلى التردد، مثل المخاوف الأمنية المستمرة، الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم، والشعور بعدم الاستقرار الذي لا تعالجه الأموال وحدها.
وفي مستوطنات مثل “المطلة”، عاد فقط 100 مستوطن حتى الآن، فيما سجلت مستوطنات أخرى نسب عودة متدنية للغاية، مما يعكس حجم التردد رغم الحوافز المالية. العامل النفسي واللوجستي يظل محوريًا في قرار العودة، وهو ما يجعل الحوافز المالية غير كافية لإقناع الجميع.
التمديد وتأثيره العكسي على النازحين
لم يأتِ التمديد بردود فعل إيجابية فقط، بل تسبب في موجة استياء بين من اضطروا إلى مغادرة الفنادق في الموعد الأصلي خوفاً من فقدان نصف قيمة المنحة. هؤلاء شعروا بأن القرار جاء متأخراً، ووضعهم أمام خيار صعب بين البقاء وتحمل أعباء مالية إضافية، أو المغادرة قبل أن يكونوا مستعدين بشكل كامل.
إضافة إلى ذلك، أدى القرار إلى خلق شعور بالتفرقة بين من بقي في الفنادق ومن اضطر إلى تدبير أموره دون تمويل حكومي إضافي، ما عزز الشعور بعدم العدالة بين الفئتين.
مبادرات حكومية لتسهيل العودة
في محاولة لتخفيف وطأة الانتقال، أطلقت إدارة “تنوفا للصمود” مبادرة “مكاتب الحكومة تأتي إليكم”، حيث تم إرسال ممثلي الوزارات إلى المناطق المتضررة لمساعدة المستوطنين في إنهاء إجراءاتهم. ولكن، هل تكفي هذه المبادرات لتجاوز الأزمة؟ فالمخاوف الأمنية وحالة عدم الاستقرار تبقى العوامل الأبرز التي تدفع العديد من المهجرين إلى عدم العودة، رغم الحوافز المالية المقدمة.
المال ليس الحل الوحيد
تكشف هذه الأزمة أن استخدام الأساليب الدعائية والتركيز على الحوافز المالية ليس كافيًا لإقناع المستوطنين بالعودة إلى منازلهم. المعضلة الحقيقية ليست في المال، بل في توفير حلول حقيقية للمشاكل الأمنية، معالجة الأضرار، وضمان استقرار مستدام يجعل العودة خيارًا منطقيًا.
إذا استمرت الفجوة بين الوعود الرسمية والواقع الفعلي، فقد يجد العديد من المستوطنين أنفسهم في حالة دائمة من التردد، بغض النظر عن تمديد المهلة أو قيمة الحوافز المقدمة.
المصدر: الميادين