تطبيع (تل أبيب – الرياض) أقرب من أي وقت مضى
في خطوة هي الأولى من نوعها، اعتمدت المملكة العربية السعودية سفيرها في الأردن نايف بن بندر السديري، سفيرا فوق العادة، مفوضا غير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلاً عاماً في القدس.
ووفق ما نشرت السفارة السعودية في الأردن على صفحتها، فقد “سلم سفير السعودية لدى الأردن نايف بن بندر السديري، اليوم السبت، نسخة من أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة مفوضا وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلا عاما بمدينة القدس إلى مستشار الرئيس عباس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي”.
وتنشط التحركات الدبلوماسية بين الرياض ورام الله في الفترة الأخيرة، فقد زار الرئيس عباس الرياض والتقى المسؤولين السعوديين هناك، لتكشف وسائل إعلام عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي لرام الله، وفي حال تمت ستكون هي الأولى من نوعها، وستكون ذات دلالات وتداعيات، ستنعكس على مقاربة جديدة لدى الرياض في تعاملها مع القضية الفلسطينية، تغادر فيها موقفها السابق، الى إقامة علاقات طبيعية مع “إسرائيل”.
وما كان بالأمس سرًا، بات اليوم علانية، ولم يعد أحد بحاجة الى إخفاء التقارب الكبير الحاصل في العلاقات بين “تل أبيب” والرياض، وقربهما من إبرام اتفاق تطبيع برعاية الإدارة الأمريكية.
تولي إدارة بايدن أهمية كبيرة للتوصل الى اتفاق تطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، فهو سيكون بمثابة هدية قيمة لدولة الاحتلال في آخر ولاية بايدن، وربما قد تكون تلك الاتفاقية مفتاح فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن يكسب بها ود اللوبي الصهيوني في بلاد العم السام، ومن جانبه لن يستطيع نتنياهو الحصول على ما هو أفضل من اتفاق تطبيع مع السعودية لمواجهة خصومه السياسيين، ولتسجيل إنجاز لحكومة اليمين المتطرف. لكن ما الذي ستحصل عليه السعودية؟.
وضعت السعودية جملة شروط ومتطلبات للتوقيع على اتفاقية تطبيع، وهي رأت أنها تستطيع بخطواتها وانفتاحها على الشرق (روسيا والصين) وتوقيعها اتفاقاً مع إيران، الضغط على الولايات المتحدة و”إسرائيل” لتحقيق تلك الشروط، ولعل ذلك الأمر هو ما يدفع بايدن لإنجاز الاتفاق، لعرقلة اندفاع السعودية نحو الشرق وتحسين علاقاتها مع الصين وروسيا وإيران.
تريد السعودية الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة والسعودية، كما أنها تريد بناء برنامج نووي مدني، لا يبدو ان هناك موافقة عليه خاصة لدى دولة الاحتلال، حيث عارض قادة سياسيين وأمنيين ذلك واعتبروه خطر أمن قومي عليهم.
ويبدو أن نتنياهو لم يعد يكتفِ بقنوات الاتصال بين السعودية و”إسرائيل”، والتي فتحت منذ سنوات، ولا تزال مفتوحة وتعمل بكفاءةٍ، حيث سمحت باتخاذ إجراءاتٍ عديدة لدفع عملية التطبيع غير الرسمي بين البلدين، كما أن هذه الصلة سمحت لدول عربية من أن تُقدم على تطبيع علاقاتها رسميا مع “إسرائيل” بضوءٍ سعوديٍ أخضر.
وتضع السعودية على الطاولة شرطا ثالثا لكنه لا يبدو ذات أهمية لها، ويمكنها ان تقفز عليه، وهو يتعلق بضرورة تغيير “إسرائيل” موقفها من القضية الفلسطينية، ومن تسوية الصراع الذي ما زال محتدماً مع بعض الدول العربية، خصوصًا مع سورية ولبنان.
لقد عملت السعودية منذ أكثر من عشرين عامًا على التعهد بعدم الاعتراف “بإسرائيل” وإقامة علاقات تطبيعية معها، قبل أن تقام الدولة الفلسطينية، وفي هذا الإطار قادت الموقف العربي لسنوات خلف المبادرة السعودية، والتي أصبحت فيما بعد المبادرة العربية للسلام، والتي اشترطت انسحاب “إسرائيل” أولا من كل الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967، بما فيها هضبة الجولان السورية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، قبل تطبيع العلاقات معها.
لا يبدو أن “تل أبيب” مستعدة لتقديم كل ما تطلبه السعودية لتطبيع العلاقات معها، ورغم رغبتها بذلك، الا انها ترفض دفع الثمن ولو كان بسيطاً، “فإسرائيل” تنظر لنفسها ، القوة الأولى والوحيدة في الشرق الاوسط لن تسمح بتطور وتنامي قوة دولةالمنطقة بما فيها السعودية.
وفي هذا السياق قال مسؤول إسرائيلي تعقيباً على الشروط السعودية أن “الأميركيين لن يوافقوا على قبول انتشار وحيازة السعودية لسلاح نووي، نحن هادئون لهذا الصدد. كل ما يتم الاتفاق عليه سيكون شيئاً تستطيع “إسرائيل” التعايش معه. القانون الأميركي في هذا الأمر لن يسمح للسعودية بامتلاك أسلحة نووية”.
وتطرق إلى التنازلات المقدمة للفلسطينيين والتي ستكون جزءًا أساسياً من الصفقة، بالقول “من الواضح أنهم سيطلبون أشياء كبيرة، وقد يتعين علينا القيام بشيء ما، لكنه لن يكون درامياً”.
وتابع “ليس لدينا ما نعطيه لهم، بالتأكيد ليس في التشكيلة الحالية للحكومة”، مضيفًا “لن يكون هناك تجميد للبناء الاستيطاني ولا حتى لثانية واحدة. سيقبلون أي شيء يقدمه لهم السعوديون والأميركيون لا سيما على المستوى الاقتصادي. ليس لدى “إسرائيل” ما تقدمه، نحن مستعدون للدخول في مفاوضات لكن ليس من الواضح إن كان الرئيس الفلسطيني يريد ذلك. في النهاية يتعين على السعوديين منحهم شيئا”.
تعتقد “تل أبيب” أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تقبل بأي فتات قد تمنحه السعودية لهم مقابل الصمت على اتفاق التطبيع، وعدم معارضته او انتقاده، ولعل هذا الموقف ما تريد السعودية نيله من السلطة الفلسطينية في الحراك السياسي الحاصل.
لم تتوقف العلاقة بين “تل أبيب” والرياض يوماً، لكن المفارقة الغريبة، أن السعودية لم تجد الا حكومة اليمين المتطرف الفاشي من أجل تسريع مفاوضات التطبيع معها، وكأن السعودية تريد منح هدايا مجانية لهذه الحكومة التي قال رئيسها قبل أيام أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية بجانب “إسرائيل”، بينما وضع وزير ماليتها بتسئيل سموتريتش ” الذي دعا الى محو قرية حوارة خطة طريق أمام الفلسطينيين، وهي اما الاعتراف بدولة “إسرائيل” والتحول الى مواطن درجة ثالثة، او القتل في حال معارضته لذلك، او الهجرة والتشرد. واي خروج عن هذه الخطة ستعصف في التشكيلة الحكومية وفي نتنياهو نفسه وتنهي مستقبله السياسي
ولعل السعودية بلاد الحرمين الشريفين، التي لم تتوانى طيلة العقود الماضية قيادة العالم الإسلامي، قد نسيت القبلة الأولى، ولا ضير لديها ان يمر اتفاق التطبيع مع “إسرائيل” من الانفاق التي تلتهم أسفل المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ولا ضير لديها في تغذية بقرات بن جفير وسموتريتش الحمراء التي يسمنوها ويعتنون بها حتى تبلغ العامين لحرقها تمهيدا لهدم قبة الصخرة وبناء الهيكل مكانها.
لقد دفعت السعودية سابقاً العديد من الدول العربية لإبرام اتفاق تطبيع مع “إسرائيل” في عهد ترامب، ويبدو ان الدور قد حان عليها، لتشجع بعدها العديد من الدول العربية والإسلامية، مغرية إياهم بدولارات النفط، وكما قيل سابقا فإن كل “الطبخات” السياسية التي تجري في المنطقة، لا يمكن أن تتم دون ضمان أن تصب جميعها في صالح “إسرائيل”، ولذلك فإن تطبيع السعودية لن يكون فقط انكساراً في الموقف العربي والإسرائيلي بل ستضمن “تل أبيب” أكبر حملة دبلوماسية عالمية لتحسين صورتها ولتسويق وتسويغ إقامة علاقات معها مقابل لا شيء خاصة لدى العالم العربي والإسلامي.